التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإمبراطور التعيس




"أنت إمبراطور" لأن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان، وإمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع وقناديل الزيت وقيصر الرومان كان يشرب من السقا، والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز، لكننا تعساء فمن عنده عربة لا يستمتع بها، وإنما ينظر في حسد لمن عنده عربتان ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر إلى زوجة جاره. لقد أصبحنا أباطرة، ولكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات. تقدمنا كمدينة وتأخرنا كحضارة، ارتقى الإنسان في معيشته وتخلف في محبته.
ما تقدم كان وصفاً رائعاً للمبدع د مصطفى محمود، لكني حذفت منه بعض النصوص وخصوصاً فيما يتعلق بنا اليوم وما هو متاح لنا لأن في وقت د محمود لم يكن هناك وسائل ذكية من بيت وهواتف وتلفزيونات وجوجل وفيسبوك ونتفلكس والعديد من وسائل الراحة التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة. كلامه ليس بالبعيد زمنياً، لكن التغيرات التي حصلت في الحياة المادية كبيرة جداً ، وستتغير أكثر وستتطور المدنية أكثر. لكن الإنسانية لسبب ما لم تتغير فمازالت المظاهر المذكورة في مقالته موجودة بيننا بل ربما تعززت أكثر فأصبحت المقارنة لا تتعلق بالجار بل بالعالم كله حتى أن أحدهم قد يحسد رونالدو وميسي ويشعر بالتعاسة أن موهبته الكروية لم تحقق النجاح مثل ما حصل مع صلاح.
يقول بروفيسور كورنيل روبرت فرانك في كتابه المشهور "النجاح والحظ" أن الدلائل تبين أن الأغنياء في أمريكا لا يزدادون سعادة مع زيادة حجم بيوتهم إلا أن ذوي الدخل المتوسط والمحدود يقلدونهم ويحاولون الحصول على الأشياء المادية مثلهم ولو اضطروا للاقتراض.   
ها قد جاء كورونا برسالة بسيطة ليذكرنا بنعمنا وأهمية إنسانيتنا ووحدتنا وأن الحياة المادية مادية وآنية، وهناك معان أكبر من تحديث المدنية ، وكما قال أرسطو : طبيعي أن نسعى وراء سعادتنا "الهيدونيكية" المادية وسعادتنا "اليودومانيكية " المعنوية، أما أن تطغى الأولى فإننا سنصبح كالأنعام لا تفكر إلا بالمرعى ولا تحب إلا أن ترعى أو كما قال grazing animals.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البكور : سر من أسرار النجاح

إذا كانت "افتح يا سمسم" كلمة السر لفتح كنز علي بابا ، فإن "السر" الذي سأذكره هنا ليس بمعناه الحرفي بل هو المفتاح الذهبي لأبواب الانجاز وتحقيق النتائج التي قد تتفوق على الاهداف أحياناً. إنه ببساطة "بركة البكور" ، البكور إلى العمل كموظف ، طالب ، تاجر ، كاتب ، ربة بيت ، أو حتى متقاعد. لن أسوق لكم أمثلة عالمية مثل تاتشروغيرها (أنظر المقالة هنا ) لكني سأخبركم عن تجربتي الشخصية المتواضعة إلى الآن ، أدام الله علينا وعليكم نعمة التوفيق في العمل والعائلة والمجتمع و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، (سامحوني الجملة المعترضة صارت خطبة جمعة :)  أستطيع ان أعزو جزء كبير من سبب تفوقي في المدرسة والجامعة والعمل الى اجتهادي و بدأ نشاطي اليومي مبكراً. لن أبالغ إن قلت أن الفعالية تكون ضعف الأوقات الأخرى ، وقد يختلف البعض في ساعة النشاط لهم كما يقولون ، لكني متأكد أنهم سيلاحظون فرقاً كبيراً إن جربوا ذلك بشرط أن يعيدوا برمجة أدمغتهم بحيث يتوقف حديث النفس بشكل سلبي مثل : " ما بعرف أشتغل الصبح " ، "بكون نعسان" ، "ما بعرف انام بدري" ، ...

الأسد الجريح

يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي.         حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق.   لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان،...

إذا هبت رياحك فاغتنمها

تمر علينا نفحات روحانية ونفسية وجسدية تمثل فرصاً للارتقاء والنقاء، ولأن القلوب تتقلب، التقطها كلما حانت واستمتع بها في لحظتها ولا تنتظر اللحظات القادمة وتخطط لها، فالعفوية طعمها أجمل.  إذا سمعت تلاوة جميلة ورقّ قلبك لا تغير المحطة وابحث عن اسم القارئ، شعرت بالمحتاجين وأنت تشاهد وثائقي تبرع عبر موبايلك مباشرة، طلب أبناءك أن تلعب معهم اترك ما في يدك (خصوصًا الموبايل) والعب معهم، تذكرت أنك لم تزر أهلك من مدة اذهب وصل رحمك أو حتى اتصل عليهم، عزمك أصدقاءك على لعبة كرة أو مشوار رياضي انطلق، سمعت بنشاط عائلي إبداعي اشتر تذكرة وفرح أبناءك، رأيت مهموماً شارد الذهن، تقدم إليه وواسيه لعلك تخفف عنه، فرصة للسفر ومغامرة مثيرة احجز أونلاين ، التقيت بشخص مميز تقدم وسلم عليه وتعرف عليه.   هذه أمثلة بسيطة لمواقف يومية عديدة تحتاج منا الإنصات والتربص باللحظات. فالحياة مثل الخفقات تصعد ثم تنزل، تتحرك ثم تسكن، وكما قال الإمام الشافعي المبدع (إن صح عنه): إذا هبت رياحك فاغتنمها         فعقبى كل خافقة سكون      ولا تغفل عن الإحسان فيها...