مسارات الحياة وتعرجاتها المتمثلة في الاحتمالات العديدة لرسم سيناريوهات مختلفة قد تجعل الإنسان يتفكر وربما يندم على أشياء كثيرة، يندم لأنه لم يتزوج فلانة أو أنها خسرت المنحة الدراسية أو العمل لدى تلك الشركة المرموقة، أو لو أنه تحصل على تلك الترقية وهكذا، ولا يدري أن كل تلك المطالب والأمنيات لن يكون لها أثر على المدى البعيد في سعادته لو تحققت كلها، وكذلك الحال في المصائب والنكسات، يقول دان جيلبيرت بروفيسور هارفارد أن الإنسان يملك قدرة عجيبة على التكيف، ويضرب مثلاً فيقول أن الإنسان يستطيع التغلب على ألم مصيبة كبيرة خلال 3 أشهر فقط، لكن معظم الناس يجهلون تلك القدرة العقلية العجيبة بل يسيئون استخدامها بتخيل مشاعر مستقبلية من خلال عمل محاكاة غير دقيقة، فمثلاً عندما نتخيل وظيفة مرموقة رفيعة المستوى، فإن رؤيتنا تشمل الراتب المرتفع ومكتب كبير وبدلة، ويهمل دماغنا ما يأتي مع ذلك من قلة وقت الفراغ بسبب الساعات المرهقة، وربما على حساب العائلة فيعيش زواجاً تعيساً.
مسارات الحياة لن تكون متشابهة، بل مختلفة لكن مشاعرنا وتفاعلنا معها هو الأهم، تُعطى نورا الفرصة لتجربة العيش في سنيوروهات مختلفة في رواية خيالية "مكتبة منتصف الليل" حيث تدخل مكتبة منتصف الليل وتختار كتب متفرقة تمثل سيناريوهات مختلفة ندمت عليها حيث ظنت أنها أفضل السيناريوهات مثل زواجها من دان الذي ظنت أنه سيكون أجمل حلم وتفاجأت حين عاشته أنه لم يكن كذلك! وحتى سيناريو الاستمرار في السباحة كما أراد أبوها وهي بالفطرة سباحة ماهرة لكنها تحبها كرياضة لا مهنة، جربته وأصبحت في هذا السيناريو بطلة أولمبية، ولكنها باتت يائسة وفرحت بانتهاء السيناريو وعودتها للمكتبة رغم ما حققته من شهرة ومال وجاه. لن أسهب أكثر في التفاصيل لمن أحب قراءتها (يمكنك التوقف عن القراءة الآن J)
......
وتنتهي الرواية بعودة نورا إلى حياتها الطبيعية الأصلية (هي المفروض نظرياً كانت بين الحياة والموت حين حاولت الانتحار وأعطيت الفرصة لتجرب السيناريوهات في هذه الفترة)، حيث حسمت أمرها وقررت أن تغير حياتها دون تغيير مسار حياتها، وصححت كثير من الأمور وعدلت وانتبهت لنعم كثيرة كانت غافلة عنها وعرفت أنه من الصعب جداً توقع الأشياء التي تجعلنا سعداء كما قالت لها مديرة المكتبة السيدة إلم، وأن الندم أحياناً غير مبني على حقائق.
وفي النهاية تحذف نورا بوست السوشال ميديا (أعجبني مات هيج ما عمل دعاية لمنصة معينة) المتعلق بالانتحار وتكتب مقالاً بدلاً منه، اخترت لكم أهم ما ورد فيه:
"من السهل أن نحزن على الأرواح التي لا نعيشها. من السهل أن نتمنى أن نكون قد طورنا مواهب أخرى، وقلنا نعم لعروض مختلفة. من السهل أن نتمنى لو عملنا بجد أكثر، أحببنا بشكل أفضل، تعاملنا مع شؤوننا المالية بذكاء، أصبحنا أكثر شهرة" وتكمل لاحقاً:
"لكن المشكلة الحقيقية ليست الحياة التي نتأسف على عدم عيشها. إنه الندم نفسه. إنه الأسف الذي يجعلنا نذبل ونشعر بأننا أسوأ عدو لنا ولغيرنا. لا يمكننا معرفة ما إذا كان أي من هذه الإصدارات الأخرى سيكون أفضل أم أسوأ. هذه الحيوات (جمع حياة) تستمر، هذا صحيح، لكنك أنت أيضًا مستمر، وهذا هو المسار الذي يجب أن نركز عليه."
تعليقات
إرسال تعليق