التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محاولة فهم الآخر



من الأشياء الجميلة التي تعلمتها من القراءة في موضوع الإبداع هو محاولة فهم وجهة نظر الآخرين بل وتقمص شخصيتهم لفهمهم أكثر. صحيح أن الموضوع صعب وأحياناً نراه ثقيلاً وخصوصاً إذا ضرب على وتر حساس عندنا، لكن فوائده عديدة، حيث يجعلنا نأخر أحكامنا ونوسع مداركنا ونخرج من بوتقتنا ونفكر خارج الصندوق، ونحسن قدراتنا الإبداعية فلا نقتل الأفكار في مهدها لأنها ليست أفكارنا أو لأنها ليست على هوانا أو متعارضة مع أفكارنا ومفاهيمنا. وقد بينت دراسات عديدة أن المبدعين عادة لا يزعجهم بل يستمتعون في نقاش الأفكار المتضادة في نفس الوقت أو ما يسمى "التفكير المتناقض" ، وربما أهم المبدعين الذين برعوا في ذلك هما آينشتاين ودافينشي.    

ولا شك أيضاً أن محاولة فهم الآخرين يزودنا بأفكار جديدة ووجهات نظر من زوايا مختلفة ربما لم نفكر بها من قبل. هذا لا ينطبق على الكبار ورؤساء العمل والزملاء في العمل بل حتى الأطفال فكلامهم مليء بالابداع والحداثة وتحدي الواقع وتمحيص الأفكار النمطية وخصوصاً إذا جثونا على ركبنا وتحدثنا معهم واستمعنا لهم بحق وليس مجاملة أو لمدح سريع أو "تمضاية" وقت. 

عمالقة تطوير الذات ستيفن كوفي وديل كارنجي ركزوا على الموضوع في كتابيهما الشهيران "العادات السبعة للناس الأكثر فاعلية" و"كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس" للمؤلفين على التوالي. وقد تحدثا عن أهمية الاستماع النشط وتقمص الآخر بحق ودوره في بناء علاقات وطيدة مع الناس وكسب ودهم والانسجام معهم بشكل عجيب. وبالتالي فإن محاولة فهم الآخر يجلب الكثير من الفوائد والمتعة رغم أنه قد يكون صعباً في بعض الأحيان ومع بعض الأشخاص لكن التجرد وتجديد النية وتذكر عوائده المادية والمعنوية يجعله استثماراً لا هدراً لأوقاتنا في أغلب الأحيان.       


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البكور : سر من أسرار النجاح

إذا كانت "افتح يا سمسم" كلمة السر لفتح كنز علي بابا ، فإن "السر" الذي سأذكره هنا ليس بمعناه الحرفي بل هو المفتاح الذهبي لأبواب الانجاز وتحقيق النتائج التي قد تتفوق على الاهداف أحياناً. إنه ببساطة "بركة البكور" ، البكور إلى العمل كموظف ، طالب ، تاجر ، كاتب ، ربة بيت ، أو حتى متقاعد. لن أسوق لكم أمثلة عالمية مثل تاتشروغيرها (أنظر المقالة هنا ) لكني سأخبركم عن تجربتي الشخصية المتواضعة إلى الآن ، أدام الله علينا وعليكم نعمة التوفيق في العمل والعائلة والمجتمع و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، (سامحوني الجملة المعترضة صارت خطبة جمعة :)  أستطيع ان أعزو جزء كبير من سبب تفوقي في المدرسة والجامعة والعمل الى اجتهادي و بدأ نشاطي اليومي مبكراً. لن أبالغ إن قلت أن الفعالية تكون ضعف الأوقات الأخرى ، وقد يختلف البعض في ساعة النشاط لهم كما يقولون ، لكني متأكد أنهم سيلاحظون فرقاً كبيراً إن جربوا ذلك بشرط أن يعيدوا برمجة أدمغتهم بحيث يتوقف حديث النفس بشكل سلبي مثل : " ما بعرف أشتغل الصبح " ، "بكون نعسان" ، "ما بعرف انام بدري" ، &q

الطنطورة

  الطفل: أبي الأب: نعم يا حبيبي! الطفل: أضمر في نفسي ولا أخبر أحدًا أحياناً ما يجول في خاطري في بعض الأمور الكبيرة! الأب: مثل ماذا يا عزيزي؟ الطفل: عذاب النار مثلاً الأب: أوووف، ما شاء الله عليك! فاجأتني! نعم أسال براحتك ولعلنا نفكر سوية في هذه الأمور الكبيرة، ماذا تريد أن تعرف عن عذاب النار؟ الطفل: أعتقد أنه عذاب صعب على الإنسان المسكين الأب: تعجبني صراحتك أحسنت، نعم صحيح إنه عذاب شديد أليم، ولأنك إنسان لطيف يا بني ربما لا تستطيع تخيل وجود أشرار في هذه الدنيا يستحقون مثل هذا العذاب!   الطفل: من هم هؤلاء الأشرار يا أبي! هل السارقين أشرار؟ وهل يستحقون هذا العذاب؟ الأب: بالنسبة للعذاب ومن يستحقه فهذا ليس شأننا يا بني، هذا شيء في الآخرة وربنا جل جلاله سيقرر من يستحق ولأي فترة؟ فهو العليم بكل التفاصيل وما حصل في حياة الناس الطفل: نعم صحيح لكنك لم تجبني ما طبيعة الأشرار الذين تعتقد أنهم يستحقون عذاب النار! الأب: أنت طفل ذكي وأعرف أنك لن تتركني حتى أجيبك مباشرة، لكني لن أفعل! أنت ما زلت إنسان طري ولطيف ولا أريد أن أشوه صورة الحياة أمامك لكن تخيل أن هناك أفراد تسببوا بقتل وتشريد وتعذيب الملاي

الأسد الجريح

يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي.         حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق.   لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان، لا فتور ولا كسل، صدق وأمل واخلاص وعمل.