التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أرذل العمر


بينما كنت أنتظر الحافلة في لندن لمحت أنا وآدم عجوزًا قد سقطت على وجهها لتوها، فذهبت وجلست معها وآخرين نتأكد من أنها لم تتأذى، حاولنا الاتصال بالإسعاف لكنها رفضت بسبب تأخرهم بالوصول كما ذكرت، سألتها هل هناك من يمكن الاتصال به من أهلك ليحضر، قالت لا، لكن عندي رقم سيارة تاكسي أتصل به عند الحاجة، أعطتني هاتفها التقليدي وبحثت فيه حتى وجدته واتصلت عليه، إلا أن إحدى النساء اللاتي توقفن معنا قد أخبرت زوجها للحضور وفعل خلال دقائق، بدأنا نتحدث إليها لنهون عليها ونسليها وعلمنا أن هذه الثمانينية  تعيش وحدها رغم أنها بالكاد تقدر على السير بالعكاز (أيو إجرتين)، تأني إليها امرأة كل صباح كما قالت، لتساعدها في أعمال البيت لسويعات وتذهب، بينما تقوم العجوز بخدمة نفسها من طعام وشراب طوال اليوم. 

حزنت عليها كثيرًا وعلى عيشتها وحمدت الله على نعمة الإسلام والعائلة وتقاليدنا وعاداتنا الشرقية الحامية لشيوخنا وحجاتنا وأمهاتنا وأخواتنا من أرذل العمر، تلك الفترة التي يمر بها بعض الناس كما ذكر تعالى في قوله:"وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" سورة الحج - ٥، حيث يعود الإنسان إلى مرحلة الضعف الجسدي والعقلي كما كان طفلًا إلا قليل من الناس، وهنا يكون هؤلاء في أمس الحاجة للعون المعنوي قبل المادي ليعيشوا بقية حياتهم في هناء وسعادة رغم الصعوبات التي فرضها تقدم العمر. 

نسأل الله أن يحفظ كبارنا وشيوخنا وأن لا تتبدل عاداتنا المرتبطة بالكبار ولا تتغرب مثل غيرها ويحل بنا ما حل بهم، وها هي تزداد سوء عندهم كل يوم بسبب تفكك العائلة وانهيار القيم الإنسانية والأخلاقية وما يحصل من تحليل زواج المثليين ورسمنته وأثره في تعميق المشكلة حتى من ناحية اقتصادية واجتماعية، ولكن لا حياة لمن تنادي.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البكور : سر من أسرار النجاح

إذا كانت "افتح يا سمسم" كلمة السر لفتح كنز علي بابا ، فإن "السر" الذي سأذكره هنا ليس بمعناه الحرفي بل هو المفتاح الذهبي لأبواب الانجاز وتحقيق النتائج التي قد تتفوق على الاهداف أحياناً. إنه ببساطة "بركة البكور" ، البكور إلى العمل كموظف ، طالب ، تاجر ، كاتب ، ربة بيت ، أو حتى متقاعد. لن أسوق لكم أمثلة عالمية مثل تاتشروغيرها (أنظر المقالة هنا ) لكني سأخبركم عن تجربتي الشخصية المتواضعة إلى الآن ، أدام الله علينا وعليكم نعمة التوفيق في العمل والعائلة والمجتمع و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، (سامحوني الجملة المعترضة صارت خطبة جمعة :)  أستطيع ان أعزو جزء كبير من سبب تفوقي في المدرسة والجامعة والعمل الى اجتهادي و بدأ نشاطي اليومي مبكراً. لن أبالغ إن قلت أن الفعالية تكون ضعف الأوقات الأخرى ، وقد يختلف البعض في ساعة النشاط لهم كما يقولون ، لكني متأكد أنهم سيلاحظون فرقاً كبيراً إن جربوا ذلك بشرط أن يعيدوا برمجة أدمغتهم بحيث يتوقف حديث النفس بشكل سلبي مثل : " ما بعرف أشتغل الصبح " ، "بكون نعسان" ، "ما بعرف انام بدري" ، ...

الأسد الجريح

يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي.         حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق.   لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان،...

إذا هبت رياحك فاغتنمها

تمر علينا نفحات روحانية ونفسية وجسدية تمثل فرصاً للارتقاء والنقاء، ولأن القلوب تتقلب، التقطها كلما حانت واستمتع بها في لحظتها ولا تنتظر اللحظات القادمة وتخطط لها، فالعفوية طعمها أجمل.  إذا سمعت تلاوة جميلة ورقّ قلبك لا تغير المحطة وابحث عن اسم القارئ، شعرت بالمحتاجين وأنت تشاهد وثائقي تبرع عبر موبايلك مباشرة، طلب أبناءك أن تلعب معهم اترك ما في يدك (خصوصًا الموبايل) والعب معهم، تذكرت أنك لم تزر أهلك من مدة اذهب وصل رحمك أو حتى اتصل عليهم، عزمك أصدقاءك على لعبة كرة أو مشوار رياضي انطلق، سمعت بنشاط عائلي إبداعي اشتر تذكرة وفرح أبناءك، رأيت مهموماً شارد الذهن، تقدم إليه وواسيه لعلك تخفف عنه، فرصة للسفر ومغامرة مثيرة احجز أونلاين ، التقيت بشخص مميز تقدم وسلم عليه وتعرف عليه.   هذه أمثلة بسيطة لمواقف يومية عديدة تحتاج منا الإنصات والتربص باللحظات. فالحياة مثل الخفقات تصعد ثم تنزل، تتحرك ثم تسكن، وكما قال الإمام الشافعي المبدع (إن صح عنه): إذا هبت رياحك فاغتنمها         فعقبى كل خافقة سكون      ولا تغفل عن الإحسان فيها...