مع احترامي لبروفيسور سيزلر من هارفارد ونظريته في تزامن انتشار القهوة مع تغير طبيعة أعمال الناس من الريف والزراعة إلى الحضر والصناعة والحاجة إلى الكافيين، إلا أني أرى أن القهوة مشاعر وأحاسيس، تغازلك رائحتها منذ بدء تحميصها عند المطحنة، وتنتعش خلايا دماغك وأنت تفتح العلبة أو الكيس لتغرف ملعقة أواثنتين و تغليها "على رواق" على نار هادئة فتهدر أمواجها الصغيرة وتتسلق رائحتها لتصل إلى عنان عيونك لتستمتع بسحابها قبل أن تبدأ بصبها وترى سرابها ومن ثم يخفق قلبك سريعاً بمجرد أن تلامس شفتيك أول رشفة من شرابها، فتكتب و تفكر وتتأمل وأحيانا تبدع (ولو على قدك)، وما كتبت في الأعلى على عجالة إلا بعد أول رشفة أاو رشفتين، ولن نلوم من لم يقع في غرامها لأن هناك دراسة من جامعة ادنبرة أشارت الى وجود عامل جيني في الموضوع أيضاً !
يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي. حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق. لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان،...
تعليقات
إرسال تعليق