قد يتبادر للذهن مباشرة عند سماع اسم بوترPotter الشخصية التي اشتهرت بها صاحبتها
الكاتبة البريطانية رولينج (J K
Rowling) حيث بيعت
من السلسلة أكثر من 450 مليون نسخة وسلسلة من الافلام جعلتها من أغنى الشخصيات في
مكانتها والتي كانت موظفة تعيش حياة متواضعة. لن اعلق على قصتها المثيرة هنا ، بل
ان قصتنا اليوم مع البطلةPotter الحقيقية ، إنها هيلين وليس
هاري.
هيلين بايتركس بوتر (Helen Beatrix Potter) كاتبة ورسامة لقصص الاطفال اشتهرت ب The Tale of Peter Rabbit. كتبت اليوم عنها بعد أن شاهدت فيلما يحكي قصتها من يومين ،
وكعادة الأفلام التي تحكي قصص شخصيات حقيقية من التاريخ البريطاني مليئة
بالأحداث ذات الرتم البطيء ، الا انها تشدك وما فيها عادة من مشاهد طبيعية جميلة ،
لندن العتيقة ، اللهجة الانجليزية العريقة ، والطبقات الاجتماعية المتفاوتة والعادات
الجميلة والغريبة.
ما اثار قريحتي لأكتب فيما تأملت هو تلك
المناظر الساحرة في منطقة الليك دسريكت (The
Lake District) ، ذلك
المكان الذي قضيت فيه إجازة قصيرة مع زوجتي في بداية أيام زواجنا حيث الريف
الربيعي العميق والمناظر الخلابة للبحيرات والأنهار والأشجار والوديان والتلال
ناصعة الخضار ، ولا ننسى الخراف البيضاء النظيفة ممتلئة البدن. في هذه البيئة
الجذابة لن يخذلك قلمك بل سينخزك ويقفز أمامك ويتألق ويكتب عنك ولا يتردد ، فتصبح
شاعرا رومانسيا بل فيلسوفا عالميا ولو كنت بالأصل مهندسا صناعيا :). تلك المنطقة
التي ألهمت السيدة بوتر للتأليف والرسم لأجمل ما يدب على الارض من براعم الحياة ،
لقد أبدعت في رسم شخصيات أسعدت ملايين الاطفال بروحها المتحركة على الوريقات.
لقد ازداد غنى بوتر واشتهرت بكتاباتها وتمكنت
من شراء العديد من الأراضي والمزارع في تلك المنطقة من جيبها الخاص لتحبسها عن
التجار الجشعين وتمنحها هبة للعامة ينتفع بخيراتها أهل البلد ويستمتع بجمالها كل
الزائرين أمثالنا. تأملت اليوم كيف أن هذه المكتسبات التي جناها المجتمع كانت نتاج
فرد واحد لكنه "مبدعة" ومحافظة على البيئة (conservationist ) فكرت بطريقة مختلفة مليئة بالإنسانية الجذابة والطيبة
الفريدة التي ما زالت تذكر وتحمد الى يومنا هذا.
ما لفت انتباهي ان بوتر ولدت سنة
1866 م (يعني قبل أيام رولنج بكثير) وشهرتها كتاباتها بل جعلتها ثرية قبل
وجود هوليوود حينها كما حصل مع سلسلة أفلام هاري وايراداته الكبيرة ! لكنها المهنة
التي يوجد لها جمهور يقدر الفن الحقيقي والمساهمات الأدبية والفنية ومستعد لشرائه وخصوصا
المتعلق بكتابات الاطفال.
أتحسر وأتألم عندما أزور المحلات
أوالمكتبات باحثا عن قصة أطفال بالعربية ذات جودة عالية من حيث النص والتصوير
والتلوين والورق والاخراج والطباعة والتنسيق كما هو الحال في الكتب الأجنبية التي
تأسرك رغم كبر سنك عندما تتأمل في حيثياتها على بساطتها الظاهرية.
دعوتي اليوم تتلخص في دعم كل الجهود
الرامية الى استيعاب وتشجيع وصقل أية موهبة طافية في بلادنا في مجال قصص الاطفال وأنا
متأكد من وجودها ، ولا بد من دعم الناشرين والمتلقيين ، فالمستقبل لن يكون واعدا
اذا ظل تصحر أراضينا يأكل من خضرة أدمغتنا ، فنحن بحاجة الى إنسانية بيضاء وبيئة
خضراء تشجع الإبداع والنقاء.
حسام عرمان
14/9/2013
تعليقات
إرسال تعليق