وفي
نفس الوقت يعاد إحياء عملية السلام أو كما وصفها تشومسكي في الكتاب المميز On Palestine ،
"لم يكن الهدف من عملية السلام الوصول إلى هدف محدد، بل تكريس حالة اللاحل.
استخدمتها إسرائيل كوسيلة للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وبناء المزيد من
المستوطنات، وضم المزيد من المساحات. كان الوضع الراهن هو الحل". هذ النص من الكتاب
المنشور في عام 2015 يوثق حوار العالمان اليهوديان المعروفان الجريئان نعوم تشومسكي
وإيلان بابيه اللذان قضّا مضاجع الكيان في مقالاتهما ومحاضراتهما وكتبهما. لقد قرأت
الكتاب هذا العام لكني شعرت وكأنهما يتحدثان الآن وليس في عام 2015، فكل شيء يسير
بنفس النهج الاستعماري الاستيطاني واستغلال السكان الأصليين وحبسهم واستعبادهم
وفصلهم عنصريًا كما حدث في جنوب افريقيا. كتاب واضح وصريح مليء بالحقائق والتوصيف
الدقيق دون مواربة وكأنه نشر اليوم، إلا أنه فشل في تخيل وتوقع غطرسة الاحتلال وتمادي
سادتيه وتماهي حلفاءه وامتداد إجرامه في هذه الحرب، لكن كما ذكر إيلان:" عشت
هناك وأعلم كيف يتم غرس فكرة نزع الإنسانية عن الإنسان الفلسطيني فلا يرى الجندي
هناك الطفل الفلسطيني طفلًا بل عدوًا".
ورغم
أنهما لم يتوقعا حجم الإبادة، لكن توقعهما بتفكك الكيان واقعي، فمثل جنوب إفريقيا
سيتخلى عنهم نظام الاستعمار العالمي المعروف وعلى رأسه أمريكا ولو بعد حين، بل
أضاف المؤلفان العامل الداخلي المتصدع. ولذلك لا يجب أن يتسلل اليأس إلى نفوسنا
فالهزيمة الداخلية أشد وقعًا من الهزيمة الخارجية، وهذا الذي جعل الشعوب الحرة تقف
معنا، رغم نوم أمتنا، فالحق أحق أن يتبع والحرية والتحرر ممكن، ومن النهر إلى البحر،
هذا ليس شعرًا تميميًا ولا شعاراًثوريًا أو هتافًا في مظاهرة إسبانية أو إنجليزية، بل حقيقة تتقدم إلينا
كل يوم في العتمة وستتجلى للعالم ملامحها الجميلة بثوبها الفلسطيني المطرز مع
الشروق، فتعود الحقوق إلى أهلها ويرجع المهجرين إلى بيوتهم ويعيش الجميع في سلام
وأمان وعدل، ويحاسب كل مجرم ولو ارتكب الجرم في الثمانية وأربعين وأصبح عمره اليوم
تسعين، كما تم ملاحقة النازيين، وهذا ليس تفكير حالم فلسطيني، بل جزء من المستقبل
الذي تطرق إليه المؤلفان مع تصرف مدون فلسطيني (أو ربما الكثير منه)!

تعليقات
إرسال تعليق