التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"قدقدت" قيام دولة فلسطينية

ويستمر اجترار التاريخ وتشويه الحقيقة والحقوق، وعمل المجالس واللجان والتآمر على الإنسان، تتغير وجوه الوحوش لكنها بنفس الروح، تدفع الحشود والمندفعين وتدوس على المنبطحين، يتشكل مجلس سلام غامض فيصفق الأنام وتساق الأمم كالأغنام. حراك وتسويق للأوهام يستخف ويستسخف عقول المتابعين العاديين فكيف بالسياسيين، يُأمّلون الناس بسراب بعيد، وعلى صوت قربة مخرومة التقطوها من جديد، عملية سلام تم تصميمها وتوظيفها بالأساس لكسب الوقت وسرقة الأرض وحشر الناس وتجويعهم ثم تهجيرهم. ولا عجب أن الخطة البرتقالية الجهنمية تجنبت ذكر الضفة، ولكن بسبب ضغوط بعض الإخوة والأشقاء (أو هكذا قيل) تنازل "الراعي" وأضاف "قد"، فتقدقدت الدولة بشروط إصلاح جثة هامدة بينما الإصلاح الحقيقي الوحيد هو إصلاح السياج وأنظمة مراقبة السجن الجديد الصغير هناك للتأكد من خنق أي تفكير في التحرك ضد السجان وتكرار أي ثورة وكسر لأي شوكة ولو كانت وخزة دبوس.

وفي نفس الوقت يعاد إحياء عملية السلام أو كما وصفها تشومسكي في الكتاب المميز On Palestine ، "لم يكن الهدف من عملية السلام الوصول إلى هدف محدد، بل تكريس حالة اللاحل. استخدمتها إسرائيل كوسيلة للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وبناء المزيد من المستوطنات، وضم المزيد من المساحات. كان الوضع الراهن هو الحل". هذ النص من الكتاب المنشور في عام 2015 يوثق حوار العالمان اليهوديان المعروفان الجريئان نعوم تشومسكي وإيلان بابيه اللذان قضّا مضاجع الكيان في مقالاتهما ومحاضراتهما وكتبهما. لقد قرأت الكتاب هذا العام لكني شعرت وكأنهما يتحدثان الآن وليس في عام 2015، فكل شيء يسير بنفس النهج الاستعماري الاستيطاني واستغلال السكان الأصليين وحبسهم واستعبادهم وفصلهم عنصريًا كما حدث في جنوب افريقيا. كتاب واضح وصريح مليء بالحقائق والتوصيف الدقيق دون مواربة وكأنه نشر اليوم، إلا أنه فشل في تخيل وتوقع غطرسة الاحتلال وتمادي سادتيه وتماهي حلفاءه وامتداد إجرامه في هذه الحرب، لكن كما ذكر إيلان:" عشت هناك وأعلم كيف يتم غرس فكرة نزع الإنسانية عن الإنسان الفلسطيني فلا يرى الجندي هناك الطفل الفلسطيني طفلًا بل عدوًا".   

ورغم أنهما لم يتوقعا حجم الإبادة، لكن توقعهما بتفكك الكيان واقعي، فمثل جنوب إفريقيا سيتخلى عنهم نظام الاستعمار العالمي المعروف وعلى رأسه أمريكا ولو بعد حين، بل أضاف المؤلفان العامل الداخلي المتصدع. ولذلك لا يجب أن يتسلل اليأس إلى نفوسنا فالهزيمة الداخلية أشد وقعًا من الهزيمة الخارجية، وهذا الذي جعل الشعوب الحرة تقف معنا، رغم نوم أمتنا، فالحق أحق أن يتبع والحرية والتحرر ممكن، ومن النهر إلى البحر، هذا ليس شعرًا تميميًا ولا شعاراًثوريًا أو هتافًا في مظاهرة إسبانية أو إنجليزية، بل حقيقة تتقدم إلينا كل يوم في العتمة وستتجلى للعالم ملامحها الجميلة بثوبها الفلسطيني المطرز مع الشروق، فتعود الحقوق إلى أهلها ويرجع المهجرين إلى بيوتهم ويعيش الجميع في سلام وأمان وعدل، ويحاسب كل مجرم ولو ارتكب الجرم في الثمانية وأربعين وأصبح عمره اليوم تسعين، كما تم ملاحقة النازيين، وهذا ليس تفكير حالم فلسطيني، بل جزء من المستقبل الذي تطرق إليه المؤلفان مع تصرف مدون فلسطيني (أو ربما الكثير منه)!       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سماء الضفدع

سأروي لكم قصة قصيرة تناولتها ثقافات عديدة أهمها وربما أصلها الصينية القديمة، إنها قصة ضفدع البئر لكني سأرويها لكم بصبغة عربية دون تحريف شديد إلا ما أجبرتني عليه خلجاتي وكلماتي فلغتنا العربية الجميلة تأبى إلا أن تجمّل المفردات.   عاش ضفدع طوال حياته في بئر سحيق كان يستمتع بحياته مستلقياً في القاع ينظر للسماء وزرقتها وجمال السحاب وهو يمر مشكلاً لوحات بيضاء سريعة وبطيئة مثل لحظات الحياة. كان هذا عالمه الذي تقوقع فيه وظن أن عيشته لوحده هي الأفضل والأمثل، حتى جاءت سلحفاة وأطلت عليه برأسها الصغير الذي غطى جزءاً كبيراً من الضوء من أعلى فلفتت انتباه الضفدع. قالت السلحفاة : "كيف أنت اليوم أيها الضفدع؟" رد عليها وقد نفخ أوداجه واخضر خضاره وقال: "أنا كما ترين أسبح في هذا الماء الراكد الساكن الهادئ أمتع ناظري في الموج الذي أفتعله على مزاجي وقدر حجمي وعندي من البيوت بعدد الحفر المنتشرة في جوانب البئر، أختبئ فيها من المطر وكلما ارتفع منسوب الماء اعتليت بيتا (حفرة) أعلى. طعامي كما تعلمين حشرات تائهة جذبها الماء الداكن ورائحته المعتقة، تعالي واستمتعي معي لأخبرك عن تجارب...

البكور : سر من أسرار النجاح

البكور : سر من أسرار النجاح إذا كانت "افتح يا سمسم" كلمة السر لفتح كنز علي بابا، فإن "السر" الذي سأذكره هنا ليس بمعناه الحرفي بل هو المفتاح الذهبي لأبواب الانجاز وتحقيق النتائج التي قد تتفوق على الاهداف أحياناً. إنه ببساطة "بركة البكور"، البكور إلى العمل كموظف، طالب، تاجر، كاتب، ربة بيت، أو حتى متقاعد. لن أسوق لكم أمثلة عالمية مثل تاتشر وغيرها (أنظر المقالة  هنا  ) لكني سأخبركم عن تجربتي الشخصية المتواضعة إلى الآن، أدام الله علينا وعليكم نعمة التوفيق في العمل والعائلة والمجتمع و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، (سامحوني الجملة المعترضة صارت خطبة جمعة :) أستطيع أن أعزو جزء كبير من سبب تفوقي في المدرسة والجامعة والعمل إلى اجتهادي وبدأ نشاطي اليومي مبكراً. لن أبالغ إن قلت إن الفعالية تكون ضعف الأوقات الأخرى، وقد يختلف البعض في ساعة النشاط لهم كما يقولون، لكني متأكد أنهم سيلاحظون فرقاً كبيراً إن جربوا ذلك بشرط أن يعيدوا برمجة أدمغتهم بحيث يتوقف حديث النفس بشكل سلبي مثل: " ما بعرف أشتغل الصبح، بكون نعسان، ما بعرف أنام بدري، ما بقدر أصحى الصبح، م...

الأسد الجريح

يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي.         حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق.   لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان،...