التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ألفة النعم



هنا تناولت فطوري (كما في الصورة) والتي كانت من سطح فندق في أَثينا الأسبوع الماضي خلال حضوري مؤتمراً هناك، كما ترون إطلالة جميلة على الأكروبوليس المعروف ، ولأكون صريحاً ، تصرف الناس حولي ودهشتهم هو الذي أشعرني أنني في مكان مميز (وهذا موصوع آخر :) ! في اليوم التالي خفتت روعة المكان وأصبحت الإطلالة كصورة حائط عملاقة لا حياة فيه ! أو هكذا شعرت، حتى ذكرني ضيوف بدى أنه يومهم الأول حيث شرعوا بالتقاط الصور ، فتنبهت الى روعة المكان من جديد لكن ليس بذاك الإحساس الأول. 
هذه الظاهرة غريزة إنسانية كغيرها مما تحار فيه عقول ذوي الألباب ، ومازال علم السايكولوجي يحاول تفسير الكثير من هذه الظواهر الإنسانية العجيبة ، وهذه تسمى بالانجليزية Hedonic adaptation ، وتعني باختصار أن يسعد  الإنسان بالأمور الجميلة التي يتحصل عليها (مثل زواج ، سيارة جديدة ، الخ) ، ثم سرعان ما يعتاد عليها ويرجع منسوب السعادة إلى مستواه السابق.
 تأملوا في كثير من الأحداث في حياتكم وستجدون ذلك جلياً في كثير من المناسبات ! مثال شخصي آخر مررت به عندما انتقلت إلى جامعة نوتنجهام في بريطانيا وكنت حينها قد خرجت "تهريب" خلال منع التجوال من قبل الإحتلال في نابلس أيام إنتفاضة الأقصى ، وذهلت حين وصلت هناك من جمال الطبيعة وخضار الأشجار ، ليس لأن أشجار فلسطين أقل خضاراً بل هي أجدر إثماراً ، لكن دبابات الموت غبّرت الحياة. كانت قلوبنا تنتعش كلما مرررنا بالبحيرة الكبيرة التي تتوسط حرم الجامعة!  لكن سرعان (يعني مش سرعان سرعان :)) ما أصبحنا نذهب إلى محاضراتنا ونتجول فيها وننسى أُنسها ، حتى يأتينا زائر ويترنم فيما يرى ، فنعود وننتبه لما نحن فيه من نعمة تسر الناظرين ! 
تذكرت هذه الظاهرة خلال شهر رمضان الماضي في درس تحدث فيه الشيخ عن أن الإنسان يملّ العافية وذكر قصة بني إسرائيل عندما ملّوا من المنّ والسلوى ، وقال الله فيهم "أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ" ، وذكر أيضاً قصة سبأ التي عاشت في رغد وأمان و"جنتان" ، لكن أهلها ملّوا من هذه النعم "فقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا"، ( يعني شيء يصعب على العقل تخيله أحياناً !).
لهذا حري بنا إذن أن نذكّر أنفسنا بنعم الله علينا ونجدد شكره باستمرار ، فبالشكر تدوم النعم وتزيد ،"لئن شكرتم لأزيدنكم"، وحتى بالإنجليزية يقال gratitude begets gratitude ، وهذا لا يشمل المحطات الهامة في حياتنا فقط ، بل هناك أمور حياتية صغيرة وكثيرة نألفها وينطبق فيها قول "أهون موجود وأعز مفقود" ، حتى هذه بحاجة إلا استذكارها والتفكر فيها بين الحين والآخر بل وتخيل افتقادها كتمرين لنا ، وأخيراً يكفي الإعتبار بما يحدث حولنا في دول تعاني من المجاعات والمصائب والحروب وغيرها! وتقترح هالفرسون (هنا) أيضاً  أن نقوم بالتغيير فهو "بهار" الحياة كما تقول ، وذلك ضمن ما نتمتع به حالياً فمثلاً كسر الروتين بين الزوجين بعمل نشاطات مختلفة مع بعض كل حين!

أسعد الله أيامكم وأعاننا وإياكم على شكره وحمده على الدوام

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطنطورة

  الطفل: أبي الأب: نعم يا حبيبي! الطفل: أضمر في نفسي ولا أخبر أحدًا أحياناً ما يجول في خاطري في بعض الأمور الكبيرة! الأب: مثل ماذا يا عزيزي؟ الطفل: عذاب النار مثلاً الأب: أوووف، ما شاء الله عليك! فاجأتني! نعم أسال براحتك ولعلنا نفكر سوية في هذه الأمور الكبيرة، ماذا تريد أن تعرف عن عذاب النار؟ الطفل: أعتقد أنه عذاب صعب على الإنسان المسكين الأب: تعجبني صراحتك أحسنت، نعم صحيح إنه عذاب شديد أليم، ولأنك إنسان لطيف يا بني ربما لا تستطيع تخيل وجود أشرار في هذه الدنيا يستحقون مثل هذا العذاب!   الطفل: من هم هؤلاء الأشرار يا أبي! هل السارقين أشرار؟ وهل يستحقون هذا العذاب؟ الأب: بالنسبة للعذاب ومن يستحقه فهذا ليس شأننا يا بني، هذا شيء في الآخرة وربنا جل جلاله سيقرر من يستحق ولأي فترة؟ فهو العليم بكل التفاصيل وما حصل في حياة الناس الطفل: نعم صحيح لكنك لم تجبني ما طبيعة الأشرار الذين تعتقد أنهم يستحقون عذاب النار! الأب: أنت طفل ذكي وأعرف أنك لن تتركني حتى أجيبك مباشرة، لكني لن أفعل! أنت ما زلت إنسان طري ولطيف ولا أريد أن أشوه صورة الحياة أمامك لكن تخيل أن هناك أفراد تسببوا بقتل وتشريد وتعذيب الملاي

أثر الشاشة (تلفاز، موبايل، آيباد) على الأطفال – دراسات

  -           زيادة وقت الشاشة   يؤدي إلى انخفاض النشاط البدني وزيادة مؤشر كتلة الجسم وتقليل الوجبات العائلية معًا وقلة النوم عند الأطفال -           لا يستفيد الأطفال دون سن الثانية بشكل عام على الإطلاق من أي محتوى يعرض على الشاشة حتى البرامج المفيدة (فوق سنتين فقط يصبح مفيد) -           يمكن للأطفال تعلم كلمة جديدة بشكل أفضل شخصيًا أو عبر مكالمة فيديو تفاعلية، مقارنة بمشاهدة نفس الكلمة التي يتم نطقها بشكل سلبي على الشاشة. -           أدمغة الأطفال الصغار تتطور بسرعة، ويظل التفاعل مع الوالدين أمرًا بالغ الأهمية لتعلمهم. -           الكثير من وقت الشاشة يمكن أن يؤثر سلبياً على فهمه لعالمنا ثلاثي الأبعاد وتقليل الخيال الإبداعي -           استخدام وقت الشاشة للأطفال في سن المدرسة يقلل من مهارات الصور الذهنية   المصدر: صفحة المستقبل - بي بي سي

تأملات سريعة من أولمبياد ريو 2016

تأملات سريعة من أولمبياد ريو 2016 رغم أني عادة لا أتابع ألعاب الاولمبياد بشكل عام (عد ا  كرة القدم طبعا)، لكن هذه السنة تابعت بعض الألعاب و الأخبار المتفرقة من ريو 2016 ، قصص مؤثرة و حكايا متنوعة و مثيرة. فها هي البرزيلية السمراء الجميلة رافيايل سيلفا القادمة من المخيمات المجاورة تحصد الميدالية    الذهبية بعد أن كادت تتحطم نفسيتها قبل انهيار بدنها و ربما وظيفتها أمام سيل الانتقادات في الاولمبياد الماضي عندما فشلت فشلا ذريعا ، و وصفها بهمجية عنصرية بغيضة بعض الجماهير بالقردة مستهزئين بلون بشرتها و أدائها. لم تفتح رافايل كمبيوترها حينها خوفا من أن تنهار عند قراءتها التعليقات لكنها تمالكت نفسها وعادت بعد أربع سنوات وقالت لهم "  The monkey came out of the cage in London and became champion in Rio de Janeiro " أي خرجت القردة من القفص في لندن و أصبحت بطلة في ريو. أما قصة جوزيف سكولنج السعيد القادم من دولة صغيرة عظيمة هي سنفافورة ، يأتي هذا الصغير صاحب الحلم الكبير لينتقل بنا من صورة له مع قدوته في الرياضة السباح العملاق فيلبس قبل ثمانية سنوات عندما كان عمره حينها ثلاثة