التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لا أبيض ولا أسود


photo credit: Business Tech

علق مشرف صديقي الذي كان في أولى أيامه في الدكتوراة في جامعة نوتنجهام على كتابته فقال بما معناه ؛  "أنتم العرب الأمور عندكم يا أبيض يا أسود" ( طبعاً لا أعتقد أنه سمع أغنية لطيفة من قبل :) )
وجهة النظر هذه ربما تشخص أحياناً الانقسامات العربية حول مواضيع عديدة ، صحيح أن بعض الأمور واضحة ولها مرجعية جلية ، لكن الكثير من القضايا تحتمل منظوراً وسطياً ومنطقياً يفند الإيجابيات والسلبيات للجهتين المتشددتين والنقيضين. 
أعتقد أن الموضوع يمكن تبسيطه اذا ما تحررنا من التشنج ومنهجية "إن غزت غزوت" ، واتبعنا منهجية أخلاقية تنحاز  إلى الإنسانية والرحمة ، راسخة مع المبدأ السامي الذي نتبناه لا تتغير بتبدل مواقف الأنظمة أو الأشخاص ، وبالتالي إن أحسنوا أيدناهم وإن أساءوا عارضناهم. 
فمثلاً ، قد نؤيد نظام إشتراكي يوفر التعليم والصحة للجميع ويسعى للقضاء على الفقر، ونعارض إنتهازية رأسمالية تخدم "النخبة" على حساب البسطاء وتحرق الأخضر واليابس على الأرض في سبيل تحقيق العائد الأكبر . ولكننا في نفس المجال نؤيد نظام رأسمالي في انفتاحه وتشجيعه للريادة والحريّة والإبداع ، ونعارض إشتراكية تسيطر على السلطة بحجة "الأبوية" وتحتكر المال والإقتصاد وتتحكم في كافة جوانب الحياة.
إذا ارتكزنا على المبادئ والاخلاق الإنسانية سنقف دائماً بجانب المظلوم والمكلوم ولن نغفر  لمن يقتل الانسان ويهدم الأرض والسلام مهما رفع من شعارات قومية أو دينية ، وكذلك الحال لمن تدخل بحجج إختراق سياسات وقوانين عالمية. سنة الحياة أن يتناطح الظالمون بين الحين والآخر ، وحينها الأفضل أن نقف مع المظلومين وندعو أن يخرجوا من بينهم سالمين ، ولا يلزم أبداً أن نكون مع جانب ضد جانب فكلاهما قد يكون ظالم. 
وفِي هذه الليلة الظلماء الطويلة يفتقد البدر ، فما أحوج العالم إلى دول(ة) عظمى ذات مصداقية تحكمها منظومة أخلاقية تحقق العدل وطنياً، وترفع الظلم عن المظلومين عالمياً .  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البكور : سر من أسرار النجاح

إذا كانت "افتح يا سمسم" كلمة السر لفتح كنز علي بابا ، فإن "السر" الذي سأذكره هنا ليس بمعناه الحرفي بل هو المفتاح الذهبي لأبواب الانجاز وتحقيق النتائج التي قد تتفوق على الاهداف أحياناً. إنه ببساطة "بركة البكور" ، البكور إلى العمل كموظف ، طالب ، تاجر ، كاتب ، ربة بيت ، أو حتى متقاعد. لن أسوق لكم أمثلة عالمية مثل تاتشروغيرها (أنظر المقالة هنا ) لكني سأخبركم عن تجربتي الشخصية المتواضعة إلى الآن ، أدام الله علينا وعليكم نعمة التوفيق في العمل والعائلة والمجتمع و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، (سامحوني الجملة المعترضة صارت خطبة جمعة :)  أستطيع ان أعزو جزء كبير من سبب تفوقي في المدرسة والجامعة والعمل الى اجتهادي و بدأ نشاطي اليومي مبكراً. لن أبالغ إن قلت أن الفعالية تكون ضعف الأوقات الأخرى ، وقد يختلف البعض في ساعة النشاط لهم كما يقولون ، لكني متأكد أنهم سيلاحظون فرقاً كبيراً إن جربوا ذلك بشرط أن يعيدوا برمجة أدمغتهم بحيث يتوقف حديث النفس بشكل سلبي مثل : " ما بعرف أشتغل الصبح " ، "بكون نعسان" ، "ما بعرف انام بدري" ، ...

الأسد الجريح

يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي.         حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق.   لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان،...

إذا هبت رياحك فاغتنمها

تمر علينا نفحات روحانية ونفسية وجسدية تمثل فرصاً للارتقاء والنقاء، ولأن القلوب تتقلب، التقطها كلما حانت واستمتع بها في لحظتها ولا تنتظر اللحظات القادمة وتخطط لها، فالعفوية طعمها أجمل.  إذا سمعت تلاوة جميلة ورقّ قلبك لا تغير المحطة وابحث عن اسم القارئ، شعرت بالمحتاجين وأنت تشاهد وثائقي تبرع عبر موبايلك مباشرة، طلب أبناءك أن تلعب معهم اترك ما في يدك (خصوصًا الموبايل) والعب معهم، تذكرت أنك لم تزر أهلك من مدة اذهب وصل رحمك أو حتى اتصل عليهم، عزمك أصدقاءك على لعبة كرة أو مشوار رياضي انطلق، سمعت بنشاط عائلي إبداعي اشتر تذكرة وفرح أبناءك، رأيت مهموماً شارد الذهن، تقدم إليه وواسيه لعلك تخفف عنه، فرصة للسفر ومغامرة مثيرة احجز أونلاين ، التقيت بشخص مميز تقدم وسلم عليه وتعرف عليه.   هذه أمثلة بسيطة لمواقف يومية عديدة تحتاج منا الإنصات والتربص باللحظات. فالحياة مثل الخفقات تصعد ثم تنزل، تتحرك ثم تسكن، وكما قال الإمام الشافعي المبدع (إن صح عنه): إذا هبت رياحك فاغتنمها         فعقبى كل خافقة سكون      ولا تغفل عن الإحسان فيها...