التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كان المكان مكان


كان المكان مكان

زرنا الخليل الجميل قبل اقل من اسبوع مع الجامعة (شكرًا لمبادرة عمادة شؤون الطلبة http://www.najah.edu/ar/node/34206)
وكانت هذه المرة الاولى التي أراها في حياتي رغم أني عشت في بيت لحم لما يقارب السنة لكنها كانت في ال ٢٠٠٢ ، 
ايام الطرق الملتوية الملتهبة فطريق النار كان في حينها جنة لولا جماعة الكونتينر والذي اصبح اليوم حاجز محترم (طبعا في غير معناها).

كانت رحلة جميلة تأملنا فيها وتألمنا حيث اختلط الدمع الابيض والفرح الاسود عندما دخلنا مسجدنا الإبراهيمي وصلينا بعد ان تنغصنا حيث كان علينا المرور داخل "المعاطة" تلك الآلة التي لم أرى مثيلها الا في بلادي وكأنهم صمموها لنا ، ثم تفتشنا وكاننا في المطار (بلا تشبيه) وعند المرحلة الثالثة (باب المسجد) أيضاً كان هناك تفتيش إضافي لولا الأولاد.
استمتعنا عند المرور بالطريق العريق في البلدة القديمة المصفوفة حجارتها الكريمة بنسق جميل يربط الشمال بالجنوب تشعر بالامتداد الجغرافي الحقيقي من نابلس للخليل والذي اصبح في مخيلتنا اليوم مفقود بل ونجتهد معهم كي نصله بطريقة ما حتى نسلي انفسنا ونقول هناك مستقبل .

قد تعكرت اليوم الحارة وتشوهت ببعض الحجارة البيضاء التي ليس لها من معنى البياض شيء ، و حتى البيوت القديمة المسلوبة خفت لون أحجارها ولم تعد كريمة. النظر للسماء مسموم فزرقتها كالحة وغيمها اسود ، لكن اهلها لم يجزعوا ولم يتوقفوا عن التحليق والتدقيق في سماءها فصنعوا الشبك البسيط والبطانية لعلها تمنحهم دفء الشجاعة والمقاومة.

تجولنا بعدها وانتهينا بالجلوس في احد الساحات انا وزوجتي والأولاد واذا بأقل من دقيقة لفيف كبير من الزائرين يحيط بنا وقد تدجج جيش جرار حولهم وبينهم وفوقهم وتحتهم واصبحنا وسطهم وكانها معركة twilight ستبدأ في اي حين لكن دون وجود" الذئاب "
طبعا تركنا المكان دون رهبة وبسلام وكان اخر الكلام الذي لم يبدأ اصلا وداع من آدم لاحد الجنود حين قال "باي عمو" لكنه لم يلق ردا ولا سلام ، عمدا او انه لم يسمع ، فهمه همان !

تأملت بعدها كيف كان المكان مكان وصار اليوم مكانين ! تحت وفوق ، يمين وشمال ، امام وخلف!

حسام عرمان
١٨/١٠/٢٠١٢

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البكور : سر من أسرار النجاح

إذا كانت "افتح يا سمسم" كلمة السر لفتح كنز علي بابا ، فإن "السر" الذي سأذكره هنا ليس بمعناه الحرفي بل هو المفتاح الذهبي لأبواب الانجاز وتحقيق النتائج التي قد تتفوق على الاهداف أحياناً. إنه ببساطة "بركة البكور" ، البكور إلى العمل كموظف ، طالب ، تاجر ، كاتب ، ربة بيت ، أو حتى متقاعد. لن أسوق لكم أمثلة عالمية مثل تاتشروغيرها (أنظر المقالة هنا ) لكني سأخبركم عن تجربتي الشخصية المتواضعة إلى الآن ، أدام الله علينا وعليكم نعمة التوفيق في العمل والعائلة والمجتمع و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ، (سامحوني الجملة المعترضة صارت خطبة جمعة :)  أستطيع ان أعزو جزء كبير من سبب تفوقي في المدرسة والجامعة والعمل الى اجتهادي و بدأ نشاطي اليومي مبكراً. لن أبالغ إن قلت أن الفعالية تكون ضعف الأوقات الأخرى ، وقد يختلف البعض في ساعة النشاط لهم كما يقولون ، لكني متأكد أنهم سيلاحظون فرقاً كبيراً إن جربوا ذلك بشرط أن يعيدوا برمجة أدمغتهم بحيث يتوقف حديث النفس بشكل سلبي مثل : " ما بعرف أشتغل الصبح " ، "بكون نعسان" ، "ما بعرف انام بدري" ، ...

الأسد الجريح

يهرول الأسد الجريح الى المجهول، تنطحه الحمير الوحشية، تسخر منه الغزلان، وتتذكر قصص شبابه الطيور وكيف كان زئيره يهز الصخور وتحترمه العقول وتهابه وحوش الغاب. شاخ وشاب في عالم مادي لا يرحم. اليوم لا بواكي له، تداعت عليه الأكلة ونهشت جسمه. تزداد هرولته بسرعة وخوفاً من المجهول، لقد جعله المنحدر أسرع رغم ضعفه ووهنه، سلّم للتعب واقترب من نهاية المنحدر حيث النسور تنتظره كمشروع جثة هامدة وعشاء ملوكي.         حاله ساء الضعيف فهو ناصر المظلومين وضابط الأخلاق ومقيم العدل، أصبح الهرج ملح الأيام في غيابه وتفككت البلاد وتنكر العباد. يزداد الكره والحسد والبغضاء وتسيل الدماء، في حين تتفجر الطاقات في الغوغاء، يتنطح الفاسدون ويتمختر المنافقون، يعوم على السطح الغثاء وتختفي الدرر في الأعماق.   لكن سنة الطبيعة أن تتغير وتتبدل، لا بد أن يطوف المرجان وتتفتح الأصداف. لا بد للأسد أن يزأر من جديد ما دام القلب ينبض بالحب، ستبعث الحياة وسينتشي الجسد من جديد فالفكر لا يموت ما دام في السطور والصدور. إنما نحتاج تطبيقاً عصرياً وابداعاً علمياً، تخطيط وتنظيم وإتقان،...

إذا هبت رياحك فاغتنمها

تمر علينا نفحات روحانية ونفسية وجسدية تمثل فرصاً للارتقاء والنقاء، ولأن القلوب تتقلب، التقطها كلما حانت واستمتع بها في لحظتها ولا تنتظر اللحظات القادمة وتخطط لها، فالعفوية طعمها أجمل.  إذا سمعت تلاوة جميلة ورقّ قلبك لا تغير المحطة وابحث عن اسم القارئ، شعرت بالمحتاجين وأنت تشاهد وثائقي تبرع عبر موبايلك مباشرة، طلب أبناءك أن تلعب معهم اترك ما في يدك (خصوصًا الموبايل) والعب معهم، تذكرت أنك لم تزر أهلك من مدة اذهب وصل رحمك أو حتى اتصل عليهم، عزمك أصدقاءك على لعبة كرة أو مشوار رياضي انطلق، سمعت بنشاط عائلي إبداعي اشتر تذكرة وفرح أبناءك، رأيت مهموماً شارد الذهن، تقدم إليه وواسيه لعلك تخفف عنه، فرصة للسفر ومغامرة مثيرة احجز أونلاين ، التقيت بشخص مميز تقدم وسلم عليه وتعرف عليه.   هذه أمثلة بسيطة لمواقف يومية عديدة تحتاج منا الإنصات والتربص باللحظات. فالحياة مثل الخفقات تصعد ثم تنزل، تتحرك ثم تسكن، وكما قال الإمام الشافعي المبدع (إن صح عنه): إذا هبت رياحك فاغتنمها         فعقبى كل خافقة سكون      ولا تغفل عن الإحسان فيها...